**هذا التـخاذل لن يدوم طويلا**
إلى أمتي التي تسكعت في حواري الزمان بعد أن كانت المقاليد بيدها.
إلى كل شاب فرغت عُلبة رأسه من هموم المسلمين.
إلى كل فتاة خلعت ثوب الحياء ولبست ثوبًا آخر.
إلى هؤلاء جميعًا أسوق هذه الكلِمات؛ لعلَّ الله أن يقوِّي بها عزمًا خائرًا، أو يردَّ بها إلى الحق حائرًا.
يَا شِعْرُ قُمْ فَالخَطْبُ بَاتَ جَلِيلا ** وَذَرِ التَّكَاسُلَ وَالخُمُولَ قَلِيلا
يَا شِعْرُ مَا لَكَ لا تَجُودُ فَأُمَّتِي ** أَضْحَتْ كَمَهْزُولٍ يُصَارِعُ فِيلا
كَمْ قَدْ عَهِدْتُكَ يَا قَرِيضُ مُزَمْجِرًا ** وَمُدَافِعًا وَمُنَاضِلاً وَنَبِيلا
قُمْ أَيْقِظِ الأَمْوَاتَ مِنْ غَفَلاتِهِمْ ** قُمْ يَا فَصِيحُ وَلا تَرُدَّ السُّولا
وَارْفَعْ رُؤُوسَ النَّاسِ بَعْدَ مَذَلَّةٍ ** وَاصْنَعْ لَهُمْ مِنْ فَوْقِهَا الإِكْلِيلا
فَلأُمَّةِ الإِسْلامِ مَاضٍ بَاذِخٌ ** لَكِنَّ حَاضِرَهَا يَطِيحُ سُفُولا
يَا أُمَّةَ الإِسْلامِ قُومِي إِنَّنِي ** أَخْشَى عَلَيْكِ تَدَاعِيًا مَرْذُولا
أَخْشَى عَلَيْكِ ثَعَالِبَ السُّوءِ الَّتِي ** تَسْتَمْرِئُ التَّأْوِيلَ وَالتَّضْلِيلا
خَدَعُوكِ بِاسْمٍ لِلتَّحَضُّرِ زَائِفٍ ** وَبَنَوْا عَلَى أَرْضِ الخِدَاعِ طُلُولا
سَلَخُوكِ مِنْ مَاضٍ عَرِيقٍ مَجْدُهُ ** فَغَدَوْتِ جِسْمًا عَارِيًا وَنَحِيلا
قَالُوا: الحَضَارَةُ أَنْ تَكُونَ مُحَرَّرًا ** وَتُتَابِعَ التَّنْوِيرَ وَ "التَّمْثِيلا"
قَالُوا: الحَضَارَةُ أَنْ تَكُونَ مُثَقَّفًا ** وَالعِلْمُ فِي "التِّلْفَازِ" يُغْنِي الجِيلا
قَالُوا: التَّحَضُّرُ أَنْ تَعِيشَ كَمَا تَرَى ** أَنْ تَنْبِذَ الأَحْكَامَ وَالتَّنْزِيلا
فَالدِّينُ قَيْدٌ وَالفَضَائِلُ مَحْبِسٌ ** مَا أَجْمَلَ التَّحْرِيرَ وَالتَّحْلِيلا
قَالُوا: التَّحَضُّرُ أَنْ تَسِيرَ بَنَاتُنَا ** كَالعَارِيَاتِ فَذَاكَ أَقْوَمُ قِيلا
قَالُوا: لِكُلِّ فَتَاةِ خِدْرٍ أَظْهِرِي ** جِسْمًا رَشْيقًا نَاعِمًا وَجَمِيلا
قَالُوا لَهَا: إِنْ رُمْتِ مَجْدًا غَرِّدِي ** فَلَدَيْكِ صَوْتٌ جَاوَزَ المَعْقُولا
خَدَعُوا الفَتَاةَ بِمَكْرِهِمْ وَدَهَائِهِمْ ** وَلَسَوْفَ يَرْجِعُ مَكْرُهُمْ مَخْذُولا
دَسُّوا لَنَا سُمًّا بِشَهْدٍ ذَائِبًا ** أَرَأَيْتَ سُمًّا نَاقِعًا مَأْكُولا؟!
قَالُوا لَنَا وَالقَوْلُ - عَفْوًا - قَوْلُهُمْ ** قَالُوا كَلامًا سَائِغًا مَعْسُولا
لا تَسْمَعِي يَا أُمَّتِي لِهُرَائِهِمْ ** فَاللَّهُ أَرْسَلَ فِي الزَّمَانِ رَسُولا
وَاللَّهُ أَغْنَانَا بِقَوْلِ نَبِيِّنَا ** وَكِتَابِنَا، لا لَنْ نُرِيدَ بَدِيلا
إِنَّ الحَضَارَةَ فِي الحَيَاةِ هِيَ الهُدَى ** يَا أُمَّتِي هَلْ تَبْتَغِينَ دَلِيلا؟
هَلْ تَذْكُرِينَ رِجَالَ عِزٍّ قَدْ خَلَوْا؟! ** عَادَ الزَّمَانُ بِذِي الرِّجَالِ بَخِيلا
أَمْثَالَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَخَالِدٍ ** وَأَبِي هُرَيْرَةَ طَبَّقُوا التَّنْزِيلا
كَانُوا لُيُوثًا فِي الزَّمَانِ فَقَتَّلُوا ** فِي الأَرْضِ فِئْرَانَ الهَوَى تَقْتِيلا
نَشَرُوا بِشَرْعِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الإِلَ ** هُ عَلَيْهِ دَوْمًا بُكْرَةً وَأَصِيلا
نَشَرُوا بِهِ كُلَّ الفَضَائِلِ فِي الوَرَى ** وَشَفَوْا بِهِ بَيْنَ الضُّلُوعِ غَلِيلا
هَلْ تَذْكُرِينَ زَمَانَهُمْ يَا أُمَّتِي؟ ** هَلْ تَرْتَضِينَ لِنَهْجِهِمْ تَبْدِيلا؟!
إِنَّ التَّحَضُّرَ لِلبَنَاتِ بِأَنْ تُرَى ** مُتَحَشِّمَاتٍ لا يُثِرْنَ فُضُولا
إِنَّ الفَتَاةَ بِغَيْرِ دِينٍ دُمْيَةً ** فِي كَفِّ شَيْطَانٍ يَدُقُّ طُبُولا
يَدْعُو بِسُوقِ نِخَاسَةٍ: مَنْ يَشْتَرِي؟ ** لا أَرْتَجِي ثَمَنًا يَكُونُ جَزِيلا
سَرَقُوا اللآلِئَ مِنْ مَحَاضِنِ عِزِّهَا ** وَرَمَوْا بِهَا بَيْنَ الحَصَى تَنْكِيلا
يَا بِئْسَ مَا فَعَلَ الطُّغَاةُ وَدَبَّرُوا ** يَا رَبِّ ضَلِّلْ سَعْيَهُمْ تَضْلِيلا
يَا بِنْتَ أُمَّةِ أَحْمَدٍ لا تَجْعَلِي ** لِهُرَائِهِمْ يَوْمًا عَلَيْكِ سَبِيلا
وَتَحَشَّمِي وَتَحَجَّبِي وَتَعَفَّفِي ** وَتَثَبَّتِي وَتَجَنَّبِي التَّحْوِيلا
فَالقَوْلُ قَوْلُ اللَّهِ لا قَوْلُ الوَرَى ** وَكَفَى بِهِ بَيْنَ الأَنَامِ دَلِيلا
لَوْ كَانَ بِالعُرْيِ الحَضَارَةُ لاعْتَلَى ** فَوْقَ الرُّؤُوسِ بَهَائِمٌ تَبْجِيلا
يَا أُمَّتِي إِنِّي غَدَوْتُ مُبَعْثَرًا ** مُتَلَعْثِمًا فِيمَا أَقُولُ خَجُولا
مَاذَا أَقُولُ، وَحَالُنَا يَا أُمَّتِي ** كَالزَّرْعِ يَشْكُو صُفْرَةً وَذُبُولا؟!
كُنَّا بِحَارًا فِي العُلُومِ جَمِيعِهَا ** نَهْدِي الوَرَى وَنُقَدِّسُ التَّنْزِيلا
كُنَّا نُجُومًا فِي السَّمَاءِ سَوَاطِعًا ** لا أَسْتَطِيعُ لِعِزِّهَا تَمْثِيلا
كُنَّا عَلَى الأَعْدَاءِ سَيْفًا قَاطِعًا ** يَهَبُ المَنَايَا صَارِمًا مَسْلُولا
كُنَّا صُخُورًا مِنْ جِبَالٍ قَدْ هَوَتْ ** فَوْقَ الرُّؤُوسِ عَلَى العَدُوِّ سُيُولا
كُنَّا لَهِيبَ الحَرْبِ كُنَّا أُمَّتِي ** فِي السِّلْمِ ظِلاًّ بَارِدًا وَظَلِيلا
كُنَّا وَكُنَّا لَيْتَ "كُنَّا" تَنْفَعُ ال ** إِسْلامَ يَوْمًا أَوْ تُعِزُّ ذَلِيلا
تَبْكِي عَلَيْكِ مَدَامِعِي يَا أُمَّتِي ** تَبْكِي بُكَاءً دَائِمًا مَوْصُولا
فَلَقَدْ هَوَيْتِ مِنَ الذُّرَى بَعْدَ العُلا ** وَغَدَا مُصَابُكِ فِي الأَنَامِ ثَقِيلا
هَلْ تَذْكُرِينَ القُدْسَ مَسْرَى المُصْطَفَى؟ ** القُدْسُ تَشْكُو الظُّلْمَ وَالتَّنْكِيلا
أَطْفَالُ غَزَّةَ مِنْ قَرِيبٍ ذُبِّحُوا ** مِثْلَ النِّعَاجِ وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا
هَلْ حَرَّكَ التَّقْتِيلُ فِينَا سَاكِنًا ** يَا أُمَّتِي؟ أَوْ هَلْ أَثَارَ فُحُولا؟
وَالحَالُ فِي "بَغْدَادَ" يُؤْسِفُ أُمَّتِي ** أَيْنَ الرَّشِيدُ مُدَافِعًا وَصَؤُولا؟
"كَشْمِيرُ" فِينَا تَسْتَغِيثُ وَ"بُوسْنَةٌ" ** وَكَذَلِكَ "الشِّيشَانُ" أَوْ "شَاتِيلا"
فِي كُلِّ أَرْضٍ مِنْ بِلادِي بُقْعَةٌ ** تَبْكِي وَتَشْكُو ظَالِمًا وَدَخِيلا
لَوْلا الإِطَالَةُ أُمَّتِي لَكَتَبْتُ مِنْ ** فَيْضِ المَشَاعِرِ مَا يُثِيرُ ذُهُولا
يَا أُمَّةَ الإِسْلامِ حُبُّكِ فِي دَمِي ** مَا رُمْتُ يَوْمًا عَنْ هَوَاكِ عُدُولا
لا تَيْأَسِي يَا أُمَّتِي وَلْتَعْلَمِي ** أَنَّ التَّشَاؤُمَ لَنْ يُقَدِّمَ جِيلا
سَيَعُودُ مَجْدُكِ فِي الزَّمَانِ مُجَدَّدًا ** وَيَعُودُ قَدْرُكِ فِي الأَنَامِ جَلِيلا
لَكِنْ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ: أَنْ تَرْجِعِي ** لِهُدَى الإِلَهِ وَتَسْلُكِيهِ سَبِيلا
إِنِّي أَقُولُ وَمِلْءَ قَلْبِي بَهْجَةٌ: ** هَذَا التَّخَاذُلُ لَنْ يَدُومَ طَوِيلا
د. عبدالواحد النقيب