بقلم : عبدالباري عطوان
يبدو ان الحضيض الذي تنحدر باتجاهه الأوضاع في الاراضي الفلسطينية المحتلة بات بلا قاع. واصبح كل يوم يحمل الينا مفاجأة جديدة مؤلمة تجعل العاقل منا يخبط رأسه في اقرب حائط غير مصدق لما يحدث. ثقافات غريبة بدأت تتسلل في وضح النهار الي الشعب الفلسطيني ومجتمعه، تطرد ثقافات من المعايير الخلقية والانسانية والسياسية الراقية التي تعكس وعياً وانضباطاً وحرصاً علي حقن الدماء، وتقديم تجربة ناصعة في النضال والجهاد من أجل استعادة حقوق ثابتة مشروعة من بين انياب عدو فاجر في دمويته وتعطشه للقتل والتدمير.
لا يمكن ان نصدق اقدام فلسطينيين علي خطف صحافيين اجانب جاءوا من مختلف انحاء العالم لنصرة قضية عادلة، ونقل معاناة شعبها تحت الجوع والحصار والمجازر ونسف البيوت. لم يخطر ببالنا في اي يوم من الايام ان يهاجم فلسطينيون مقر قناة فضائية عربية ويضعوا القنابل في حجراته، ويحولوه الي ركام تختلط فيه بقايا الكاميرات واجهزة الكمبيوتر، بشظايا القنابل. هذا ليس الشعب الفلسطيني الذي نعرفه وننتمي اليه، وهذه ليست فصائل مقاومة تتصدي للاحتلال، وتقدم عشرات بل آلاف الشهداء والجرحي والأسري، وتشكو من انحياز الاعلام العالمي الي الاحتلال واساليبه التضليلية. نقف عاجزين امام تفسير هذه الظاهرة الخطيرة والمدمرة واستيعاب مفردات هذه الثقافات الطارئة علي شعب ضرب أروع الامثلة في الانضباط، واحترام الرأي الآخر، والايمان برسالة الاعلام والاعلاميين في نقل الحقيقة حتي لو اختلفنا معها.
الشعب الفلسطيني مدين للاعلام العربي منه والاجنبي، لانه كان نصيره دائما في مواجهة التغول الاسرائيلي، والازدواجية الامريكية،
وتهميش الامم المتحدة، والمنظمات الدولية الاخري. الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات اقام دولة فلسطينية، ونال اعتراف اكثر من مئة دولة بها من خلال استيعابه لدور الاعلام وقدرته علي الانتصار لقضايا العدل والحرية، وفضح الاحتلال الاسرائيلي وكل ممارساته البشعة وغير الانسانية. لم يغضب صحافيا ابدا، وان اغضبه فانه يهاتفه في اليوم التالي معتذرا ومتوددا.
الرئيس عرفات كان يبالغ في حفاوته وتقديره للصحافيين، العرب والاجانب، ويصر علي دعوتهم الي مائدة طعامه المتواضعة، ويضع لقيمات الخبز في افواههم بيده، ولا يتردد لحظة في السؤال عن احوالهم واطفالهم وأسرهم.
ولا نكشف سرا اذا قلنا ان عشرات بل مئات الصحافيين العرب كانوا موظفين في منظمة التحرير، اسوة بأشقائهم الفلسطينيين، وكان لا يتردد لحظة في تكفل مصاريف علاج العديدين في الخارج اذا ألم بهم مرض يستدعي ذلك، ودون ان يطلبوا، بل كان يبادر بنفسه بالاتصال بهم والاطمئنان علي صحتهم. وهذه الروح المتفهمة لرسالة الصحافي والاعلامي هي التي جعلت الثورة الفلسطينية الاعظم في التاريخ، وموضع اجماع الجميع من اقصي اليسار الي اقصي اليمين، ومن الولايات المتحدة حتي الصين. ولم يحظ اي حدث عالمي بنصف تغطية الحدث الفلسطيني، حتي في اضعف مناسباته، وتكفي الاشارة الي ان اجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني، كانت تستقطب اكثر من 1500 صحافي من مختلف الاشكال والالوان. هذه المدرسة اندثرت للأسف، وحلت محلها ثقافة خطف الصحافيين، ونسف مقراتهم، وتهديد من لا يتفق مع هذا التنظيم او ذاك بالقتل، بحيث اوشكنا ان نحتل قمة رأس قائمة الكراهية في اوساط ابناء هذه المهنة الأخطر والأكثر فاعلية ونفوذا في العصر الحديث. مصيبتنا الكبري في الصراع علي السلطة الذي بات الهدف الأكبر للتنظيمين الرئيسيين علي الساحة الفلسطينية حماس و فتح وظهور قيادات جديدة لا تعرف من السياسة واصولها وآدابها غير التحريض علي الآخر، وهدر دمه واستخدام مفردات مخجلة طارئة علي قاموسنا مثل العمالة والخيانة والظلامية واللصوصية وغيرها.
نسينا الاحتلال وجرائمه مستوطناته وعملاءه، نسينا اسرانا، وتضحيات شهدائنا، واصبحنا نتقاتل علي جيفة اسمها السلطة. وباتت القضية الأهم موضع الخلاف والصراع هي من يتولي هذه الحقيبة الوزارية او تلك.
يتحدثون عن وزارات سيادية مثل المالية والخارجية والداخلية والإعلام، وينسون اننا بلا سيادة ولا كرامة، ونرزح تحت الاحتلال، ورئيس وزرائنا يجلس علي الرصيف امام المعبر مثل الذليل، ورئيس سلطتنا لا يستطيع مغادرة مكتبه دون اذن من شاويش في الجيش الاسرائيلي. جميع قيمنا وتقاليدنا التي كانت موضع فخر الأمتين العربية والاسلامية، وحسد الأعداء، انقلبت رأساً علي عقب، واصبح المواطن الفلسطيني لا يخشي الاحتلال وصواريخه وقنابله بقدر ما يخشي من الحرب الأهلية، والصدامات بين ابناء القضية الواحدة.
في الماضي كانت الفصائل الفلسطينية تعين المتحدثين الاعلاميين
حتي يخاطبوا العالم بلغة حديثة تقدم المعلومات الدقيقة وبما يضمن تعاطفه، اما اليوم وفي زمن الصراع علي السلطة، فقد اصبحت الفصائل تعين عشرات المتحدثين للرد علي بعضها البعض، واصدار بيانات التحريض والاتهام لهذا الفصيل او ذاك. ويبلغ النفاق قمته عندما يجتمع المسؤولون الكبار في الفصائل ويتحدثون كما لو انهم يمثلون احزابا سويسرية او سويدية، يظهرون حرصا علي الوحدة الوطنية، ويلقون المعلقات في تحريم الدم الفلسطيني. اقولها، بصراحة، وبالفم الملآن، ان هؤلاء، الذين يقولون انهم يمثلوننا، لا يمتون بأي صلة الي تراثنا وتاريخنا وتضحيات شهدائنا، ونشعر بالخزي والعار بسبب افعالهم وتجاوزاتهم ايا كان الفصيل الذي ينتمون اليه.
فاذا كان الصراع علي هذه السلطة الوهمية هو الذي اوصلنا الي هذا الحضيض، فاننا لا نريدها، ونري ان المطالبة بحلها واجب وطني لا يقل عن واجب تحرير فلسطين، لانها باتت عبئا علينا، ومصدر كل الشرور التي نعانيها وسنعانيها.
اعترف بأنني اشعر بالعار كفلسطيني، وانا اتابع ما يحدث علي الارض في بلادنا من مهازل، وأتمني من كل مواطن داخل الارض المحتلة وخارجها ان يقف في وجه هؤلاء المستوزرين الطامحين الي المناصب، وان يقول لهم كفي لستم منا ولسنا منكم، ولا نريد سلطتكم هذه، وعلينا ان نعود الي ثوابتنا الوطنية، اي التصدي للاحتلال الذي نسيناه او تناسيناه، واصبح الفلسطيني هو العدو وليس المحتل الغاصب. لا اتردد في الاعتذار، ولو للحظة واحدة، لكل الزملاء الاعلاميين، عربا واجانب، وفي محطة العربية خاصة الذين تعرض مكتبهم في غزة للنسف، يوم امس الاول من جراء هذه الممارسات المخجلة والمعيبة، واقول ان هؤلاء الذين يستخدمون لغة الخطف والترويع والنسف والتدمير طارئون علينا، وعلي اخلاقنا وعلي قضيتنا العادلة.
م
ن
ق
و
ل
يبدو ان الحضيض الذي تنحدر باتجاهه الأوضاع في الاراضي الفلسطينية المحتلة بات بلا قاع. واصبح كل يوم يحمل الينا مفاجأة جديدة مؤلمة تجعل العاقل منا يخبط رأسه في اقرب حائط غير مصدق لما يحدث. ثقافات غريبة بدأت تتسلل في وضح النهار الي الشعب الفلسطيني ومجتمعه، تطرد ثقافات من المعايير الخلقية والانسانية والسياسية الراقية التي تعكس وعياً وانضباطاً وحرصاً علي حقن الدماء، وتقديم تجربة ناصعة في النضال والجهاد من أجل استعادة حقوق ثابتة مشروعة من بين انياب عدو فاجر في دمويته وتعطشه للقتل والتدمير.
لا يمكن ان نصدق اقدام فلسطينيين علي خطف صحافيين اجانب جاءوا من مختلف انحاء العالم لنصرة قضية عادلة، ونقل معاناة شعبها تحت الجوع والحصار والمجازر ونسف البيوت. لم يخطر ببالنا في اي يوم من الايام ان يهاجم فلسطينيون مقر قناة فضائية عربية ويضعوا القنابل في حجراته، ويحولوه الي ركام تختلط فيه بقايا الكاميرات واجهزة الكمبيوتر، بشظايا القنابل. هذا ليس الشعب الفلسطيني الذي نعرفه وننتمي اليه، وهذه ليست فصائل مقاومة تتصدي للاحتلال، وتقدم عشرات بل آلاف الشهداء والجرحي والأسري، وتشكو من انحياز الاعلام العالمي الي الاحتلال واساليبه التضليلية. نقف عاجزين امام تفسير هذه الظاهرة الخطيرة والمدمرة واستيعاب مفردات هذه الثقافات الطارئة علي شعب ضرب أروع الامثلة في الانضباط، واحترام الرأي الآخر، والايمان برسالة الاعلام والاعلاميين في نقل الحقيقة حتي لو اختلفنا معها.
الشعب الفلسطيني مدين للاعلام العربي منه والاجنبي، لانه كان نصيره دائما في مواجهة التغول الاسرائيلي، والازدواجية الامريكية،
وتهميش الامم المتحدة، والمنظمات الدولية الاخري. الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات اقام دولة فلسطينية، ونال اعتراف اكثر من مئة دولة بها من خلال استيعابه لدور الاعلام وقدرته علي الانتصار لقضايا العدل والحرية، وفضح الاحتلال الاسرائيلي وكل ممارساته البشعة وغير الانسانية. لم يغضب صحافيا ابدا، وان اغضبه فانه يهاتفه في اليوم التالي معتذرا ومتوددا.
الرئيس عرفات كان يبالغ في حفاوته وتقديره للصحافيين، العرب والاجانب، ويصر علي دعوتهم الي مائدة طعامه المتواضعة، ويضع لقيمات الخبز في افواههم بيده، ولا يتردد لحظة في السؤال عن احوالهم واطفالهم وأسرهم.
ولا نكشف سرا اذا قلنا ان عشرات بل مئات الصحافيين العرب كانوا موظفين في منظمة التحرير، اسوة بأشقائهم الفلسطينيين، وكان لا يتردد لحظة في تكفل مصاريف علاج العديدين في الخارج اذا ألم بهم مرض يستدعي ذلك، ودون ان يطلبوا، بل كان يبادر بنفسه بالاتصال بهم والاطمئنان علي صحتهم. وهذه الروح المتفهمة لرسالة الصحافي والاعلامي هي التي جعلت الثورة الفلسطينية الاعظم في التاريخ، وموضع اجماع الجميع من اقصي اليسار الي اقصي اليمين، ومن الولايات المتحدة حتي الصين. ولم يحظ اي حدث عالمي بنصف تغطية الحدث الفلسطيني، حتي في اضعف مناسباته، وتكفي الاشارة الي ان اجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني، كانت تستقطب اكثر من 1500 صحافي من مختلف الاشكال والالوان. هذه المدرسة اندثرت للأسف، وحلت محلها ثقافة خطف الصحافيين، ونسف مقراتهم، وتهديد من لا يتفق مع هذا التنظيم او ذاك بالقتل، بحيث اوشكنا ان نحتل قمة رأس قائمة الكراهية في اوساط ابناء هذه المهنة الأخطر والأكثر فاعلية ونفوذا في العصر الحديث. مصيبتنا الكبري في الصراع علي السلطة الذي بات الهدف الأكبر للتنظيمين الرئيسيين علي الساحة الفلسطينية حماس و فتح وظهور قيادات جديدة لا تعرف من السياسة واصولها وآدابها غير التحريض علي الآخر، وهدر دمه واستخدام مفردات مخجلة طارئة علي قاموسنا مثل العمالة والخيانة والظلامية واللصوصية وغيرها.
نسينا الاحتلال وجرائمه مستوطناته وعملاءه، نسينا اسرانا، وتضحيات شهدائنا، واصبحنا نتقاتل علي جيفة اسمها السلطة. وباتت القضية الأهم موضع الخلاف والصراع هي من يتولي هذه الحقيبة الوزارية او تلك.
يتحدثون عن وزارات سيادية مثل المالية والخارجية والداخلية والإعلام، وينسون اننا بلا سيادة ولا كرامة، ونرزح تحت الاحتلال، ورئيس وزرائنا يجلس علي الرصيف امام المعبر مثل الذليل، ورئيس سلطتنا لا يستطيع مغادرة مكتبه دون اذن من شاويش في الجيش الاسرائيلي. جميع قيمنا وتقاليدنا التي كانت موضع فخر الأمتين العربية والاسلامية، وحسد الأعداء، انقلبت رأساً علي عقب، واصبح المواطن الفلسطيني لا يخشي الاحتلال وصواريخه وقنابله بقدر ما يخشي من الحرب الأهلية، والصدامات بين ابناء القضية الواحدة.
في الماضي كانت الفصائل الفلسطينية تعين المتحدثين الاعلاميين
حتي يخاطبوا العالم بلغة حديثة تقدم المعلومات الدقيقة وبما يضمن تعاطفه، اما اليوم وفي زمن الصراع علي السلطة، فقد اصبحت الفصائل تعين عشرات المتحدثين للرد علي بعضها البعض، واصدار بيانات التحريض والاتهام لهذا الفصيل او ذاك. ويبلغ النفاق قمته عندما يجتمع المسؤولون الكبار في الفصائل ويتحدثون كما لو انهم يمثلون احزابا سويسرية او سويدية، يظهرون حرصا علي الوحدة الوطنية، ويلقون المعلقات في تحريم الدم الفلسطيني. اقولها، بصراحة، وبالفم الملآن، ان هؤلاء، الذين يقولون انهم يمثلوننا، لا يمتون بأي صلة الي تراثنا وتاريخنا وتضحيات شهدائنا، ونشعر بالخزي والعار بسبب افعالهم وتجاوزاتهم ايا كان الفصيل الذي ينتمون اليه.
فاذا كان الصراع علي هذه السلطة الوهمية هو الذي اوصلنا الي هذا الحضيض، فاننا لا نريدها، ونري ان المطالبة بحلها واجب وطني لا يقل عن واجب تحرير فلسطين، لانها باتت عبئا علينا، ومصدر كل الشرور التي نعانيها وسنعانيها.
اعترف بأنني اشعر بالعار كفلسطيني، وانا اتابع ما يحدث علي الارض في بلادنا من مهازل، وأتمني من كل مواطن داخل الارض المحتلة وخارجها ان يقف في وجه هؤلاء المستوزرين الطامحين الي المناصب، وان يقول لهم كفي لستم منا ولسنا منكم، ولا نريد سلطتكم هذه، وعلينا ان نعود الي ثوابتنا الوطنية، اي التصدي للاحتلال الذي نسيناه او تناسيناه، واصبح الفلسطيني هو العدو وليس المحتل الغاصب. لا اتردد في الاعتذار، ولو للحظة واحدة، لكل الزملاء الاعلاميين، عربا واجانب، وفي محطة العربية خاصة الذين تعرض مكتبهم في غزة للنسف، يوم امس الاول من جراء هذه الممارسات المخجلة والمعيبة، واقول ان هؤلاء الذين يستخدمون لغة الخطف والترويع والنسف والتدمير طارئون علينا، وعلي اخلاقنا وعلي قضيتنا العادلة.
م
ن
ق
و
ل