منتديات مبدعون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    غيمة ماطرة

    malek
    malek
    مـــؤســــس الـــمــوقــــــع
    مـــؤســــس الـــمــوقــــــع


    الـــجـــنـــس : : ذكر
    الــــبـــرج : : الحمل
    الأبراج الصينية : : الثعبان
    عدد الرسائل : : 2004
    الـــعــمــــر : : 35
    العــمــل/الـــتــرفـــيـــه : رئيس حركة الأيِ~افة بالحـــــمدانية
    مــاهـــو مــزاجـــك عـــادة : : غائم متقلب
    عــــــلـــــم دولـــتــــك : غيمة ماطرة Sy10
    تاريخ التسجيل : 08/02/2009
    نــقـاط الـعـضو : : 8270

    غيمة ماطرة Empty غيمة ماطرة

    مُساهمة من طرف malek 24/8/2009, 12:36 pm

    <td width="100%" valign="top">


    غيمة ماطرة
    كعادتي في الكثير من الأمسيات، أجلس وحيداً فوق هذه الصخرة العملاقة المطلة تماماً على حقل من الأسلاك الشائكة التي تخنق بينها حقولاً واسعة من الأزاهير والأعشاب النابتة على حواف الألغام التي تنكشف أمامي الآن كلما هبت الريح وتمايلت الأزاهير.‏
    لحظات من تأمل عميق، وأسئلة كثيرة تتنازعني كلما قدمت إلى هذا المكان:‏
    كيف للأزاهير أن تنبت على حواف الألغام؟‏
    كيف للحياة أن تنهض على أطراف الموت؟‏
    كيف لهذه الأسلاك أن تمنعني من ولوج الدروب التي ما تزال تحمل آثار خطاي؟‏
    وعبر سيل الأسئلة يأخذني الشرود إلى غيمة سارحة في عمق البلاد، تحركها الريح لتبدو أمامي بساطاً سابحاً فوق التلال الناهضة على امتداد الأفق.‏
    خيّل إليّ أن هذه الغيمة تظلل قريتنا تماماً وبين طياتها انعكست البيوت والوجوه التي لم أرها منذ خروجنا.‏
    امتدت أهدابي على أطرافها فاتسعت الأحلام واشتعلت الذاكرة... وبعد لحظات فقط يتحطم كل شيء على أسنان الأسلاك التي مزقت التراب من حولي.. وتتحول الأحلام إلى قطرات من دماء تلون السهول على امتداد الأفق، وفي الأعماق همهمات الرجال يجتازون الصخور ويغسلون التراب بأنفاسهم..... أغرق في التأمل من جديد...‏
    أعناق الأزاهير تحاول امتطاء الريح للخروج عنوة من بين الأسلاك... تتطاول قليلاً ثم تنحني حين يخدشها الحديد،.. وأسراب من عصافير تجتاز حقول الألغام لتحط على الأشجار والصخور المقابلة.. وأنغام الناي يطلقها الرعاة.. تذهب مع الريح ثم تعود صدىً محملاً بصلابة الصخور ورائحة البيوت المدمرة وأنفاس الناس الذين غادروا منذ زمن طويل والغيمة السارحة لا تزال في أفق البلاد.‏
    تتهادى على الريح.. تركض أحياناً وتحبو أحياناً أخرى... وعيناي راكضتان بين الأسلاك وأعناق الأزاهير، وأجنحة الطيور المتجهة غرباً مرت دقائق وربما ساعات لا أعرف تماماً....‏
    رذاذ المطر الذي هبط فجأة أشعل يقظتي.. التصق وجهي بالسماء.. الغيمة صارت فوقي تماماً.. انخفضت قليلاً وأفرغت ماءها حنوناً ناعماً مليئاً بالحياة...‏
    اغتسل جسدي، فاضت عيناي بالماء وانغرست أقدامي بالتراب، ونبتت أحلامي من جديد واستطالت قامتي لتجتاز الأسلاك إلى حيث بيادر القرية، وصراخ الأطفال يتدافعون خلف كراتهم... يستيقظ في داخلي ذاك الطفل الذي كنته قبل ثلاثين عاماً أتلمس شاربين أبيضين وتجاعيد عميقة حفرتها أيام الشتات وتختلط دموعي بماء المطر الذي استمر غزيراً.‏
    يا إلهي ما أجمل غيوم البلاد وأمطارها.‏

      الوقت/التاريخ الآن هو 24/11/2024, 11:42 am