منتديات مبدعون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    الخــــــــــــــوذـــ ة

    الشرير الخطير
    الشرير الخطير
    * عـــــضــــو مــتــمــيــز *
    * عـــــضــــو مــتــمــيــز  *


    الـــجـــنـــس : : ذكر
    الــــبـــرج : : الحمل
    الأبراج الصينية : : الديك
    عدد الرسائل : : 223
    الـــعــمــــر : : 115
    العــمــل/الـــتــرفـــيـــه : طالب / شا 3ـــــــــــــــر
    مــاهـــو مــزاجـــك عـــادة : : بخــوف مــوهاهاهاها
    عــــــلـــــم دولـــتــــك : الخــــــــــــــوذـــ ة Sy10
    تاريخ التسجيل : 09/08/2009
    نــقـاط الـعـضو : : 5967

    الخــــــــــــــوذـــ ة Empty الخــــــــــــــوذـــ ة

    مُساهمة من طرف الشرير الخطير 24/8/2009, 12:37 pm

    <td width="100%" valign="top">


    الخوذة
    إلى صاحب الخوذة الذي ما زلت أتخيّله..‏
    ليست المرة الأولى التي أدخل فيها إلى هذه المنطقة، فأنا واحد من الذين خاضوا الحرب واكتووا بنارها، ومنذ أن وضعت الحرب أوزارها، وأنا أجوب هذا المكان بين الفينة والأخرى، وعلى الرغم من معرفتي الأكيدة لهذه المنطقة.. التلال والصخور، والبيوت المدمرة وشظايا القذائف وبقايا سلاسل الدبابات، والأشجار التي نهضت رغم الحرائق، والأزاهير التي نبتت بين الركام، إلا أني اكتشف في كل مرة شيئاً جديداً.‏
    يبدو أن ساحات المعارك لها عوالمها الخاصة التي لا يمكن للمرء أن يكتشفها دفعة واحدة وأن مرور ا لزمن لا يمكن أن يلغي ذاكرة الأرض والصخور فمعظم الصخور التي أراها الآن لا تزال تحمل آثار الحرب، آثاراً لطلقات المقاتلين وشظايا هنا وهناك تلونت بالصدأ وتوحدت مع أطراف الصخور وعلى صفحاتها أثلام متلاحقة خلفتّها سلاسل الدبابات التي اجتاحت المكان، وهي تصارع الموت، وفي عمق التراب يخيّل إليك أن دماء المقاتلين وأرواحهم هي التي أنبتت الأزاهير على هذا النحو الدامي الذي تراه الآن، وعلى السفوح تبدو حفر القذائف وقد اتشحت حوافها بالسّواد واستعصت على الخضرة منذ زمن طويل، وفي ظلال الأشجار التي ولدت من جديد بقايا متناثرة لأمتعة الجنود، وبقايا لطلقاتهم الفارغة وقد امتلأت بالتراب، وفي أرجاء المكان هياكل عديدة لآليات محترقة تآلفت مع التراب وفي ثناياها نبتت أعشاب وزهور فتلاشت وحشة الحديد والنار لتبعث في النفس قوة الحياة.‏
    تابعت السير بين الركام وفي داخلي يتردد صدىً لأصوات كثيرة تنبعث من صلابة الصخور ومن أعماق التراب ومن تلافيف التلال المطلة على المكان.. أصوات الشبان الذين تداخلت ملامحهم في ذاكرتي فصار لهم وجه واحد.. سنوات عديدة مرت على الحرب.. وأصواتهم لا تزال تهزُّ أعماقي كلما اعتراني الضعف.‏
    استيقظَ الدويّ في رأسي واشتعل المكان من حولي، وعادت المعركة لتحتل ذاكرتي كما في كل مرة.. صرخات الجنود، ودخان الحرائق وهباب البارود، ودماء تسيل على حواف الدبابات المحترقة، وعصافير تفر من المكان ورائحة الشواء للأجساد المحترقة، وتداخل أجهزة الاتصال.. تقدموا.. تقدموا...‏
    قطع شرودي سرب من القطا مرَّ فوقي، امتلأت أهدابي بالبياض وطارت على أجنحتها نحو طبرية.‏
    يا إلهي!.. كنت أعتقد أن بعضاً من هذه التفاصيل قد تلاشى من ذاكرتي تماماً،.. لكن تفاصيل جديدة تشعل جسدي الآن كأني أدخل الحرب في هذه اللحظة.‏
    خطر لي أن أرتاح قليلاً في ظلال صخرة عملاقة، أكلت القذائف بعض أطرافها، ألقيت جسدي في الظلال تاهت عيناي في المكان.. أعشاب وصخور وزواحف تدب هنا وهناك تابعت بعضها وهي تتقافز فوق بقعة من تراب تتعرج بين الصخور استدرت في المكان، برزت أمامي حواف حديدية صدئة، تقدمت نحوها أزحت التراب من حولها أمسكت بها بكلتا يدي، هززتها قليلاً حتى تراخى التراب من حولها.. انتزعتها بصعوبة بالغة تملّيتها جيداً، قلّبتها بين يدي.. إنها خوذة يملؤها التراب، وقد اخترقها الرصاص من الجوانب كلها.. ذابت عيناي في الحديد، وارتفعت في ذاكرتي قامات عديدة لشبان في عمر الورد.. لم تبرح ذاكرتي يوماً.. حاولت أن أرسم ملامح الشاب الشهيد فازدحمت أمامي وجوه كثيرة صارت وجهاً واحداً في لحظة الموت..‏
    هزني صراخه وانساحت دماؤه أمامي الآن، شعرت بحرارتها وهي تلون التراب وفي الأعماق عاد النداء من جديد.. تقدموا.. تقدموا..‏
    أيلول /2004.‏

      الوقت/التاريخ الآن هو 28/11/2024, 5:11 am